فصل: الْفَصْلُ الثَّانِي فِي التَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الْفَصْلُ الثَّانِي فِي التَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ:

قَاعِدَةٌ:
الصَّرِيحُ فِي كُلِّ بَابٍ مَا يَتَعَيَّنُ لَهُ وَضْعًا وَالْكِنَايَةُ مَا يَحْتَمِلُهُ مَعَ غَيْرِهِ وَفِي الْكِتَابِ إِنْ قَالَ يَا مُخَنَّثُ حُدَّ إِلَّا أَنْ يَحْلِفَ مَا أَرَادَ قَذْفًا فَيُؤَدَّبُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ غَيْرُهُ هَذَا إِنْ كَانَ فِي كَلَامِهِ أَوْ عَمَلِهِ أَوْ بَدَنِهِ تَوْضِيعٌ وَإِلَّا حُدَّ وَلَمْ يَحْلِفْ لِاشْتِهَارِهِ فِي الْفَاحِشَةِ وَأَصْلُ التَّخَنُّثِ الْمَيْلُ وَقَدْ يَكُونُ صَاحِبُهُ مُتَّقِيًا وَمِنْهُ الْمُخَنَّثُ الَّذِي يَدْخُلُ عَلَى بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وتخنثه الصاننه.الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي صَرِيحِ اللَّفْظِ وَالنَّفْي:

النَّفْيُ عِنْدَنَا مُوجِبٌ لِلْحَدِّ وَقَالَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ (ش) وَ (ح) إِذَا قَالَ الْعَرَبِيُّ يَا قِبْطِيُّ وَقَالَ أَرَدْتُ قِبْطِيَّ اللِّسَانِ أَوِ الدَّارِ لِأَنَّهُ نَشَأَ فِيهَا صُدِّقَ بَعْدَ يَمِينِهِ أَوْ قَالَ أَرَدْتُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَبِيهِ حُدَّ إِنْ كَانَتْ أُمُّهُ مُحْصَنَةً يُحَدُّ قَاذِفُهَا وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ سَبَبَ الْحَدِّ فِي الْقَذْف الزِّنَا فِي الْمُحْصَنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصنَات الْغَافِلَات} لَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَا أُوتَى بِرَجُلٍ يَقُولُ إِنَّ كِنَانَةَ لَيْسَتْ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا جَلَدْتُهُ» وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا حَدَّ إِلَّا فِي اثْنَيْنِ قَذْفِ مُحْصَنَةٍ وَنَفْيِ رَجُلٍ مِنْ أَبِيهِ وَلَا يَقُولُ هَذَا إِلَّا تَوْقِيفًا وَعَلَّلَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى وَغَيْرُهُ بِأَنَّ النَّفْيَ قَذْفٌ وَهُوَ يَبْطُلُ بِأَنَّ الْأُمَّ قَدْ تَكُونُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا وَقَدْ تَكُونُ مَجْهُولَةً وَفِي الْكِتَابِ إِنْ قَالَ لِمُسْلِمٍ لَسْتَ لِأَبِيكَ وَأَبَوَاهُ نَصْرَانِيَّانِ حُدَّ وَكَذَلِكَ إِنْ قَالَ لَسْتَ ابْنَ فُلَانٍ لِجَدِّهِ وَجَدِّ أُمِّهِ كَافِرٌ أَوْ لِرَجُلٍ مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَسْتَ ابْنَ الْخطاب وَإِنْ قَالَ لَسْتَ ابْنَ فُلَانٍ لِجَدِّهِ وَقَالَ أَرَدْتُ لَسْتَ ابْنَهُ لِصُلْبِهِ حُدَّ وَإِنْ قَالَ أَنْتَ ابْنُ فُلَانٍ نَسَبَهُ لِجَدِّهِ فِي مُشَاتَمَةٍ وَغَيرهَا لَمْ يُحَدَّ وَكَذَلِكَ إِنْ نَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ لِأُمِّهِ لِأَنَّهُ كَالْأَبِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا نَكَحَ فَإِنْ نَسَبَهُ إِلَى عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ أَوْ زَوْجِ أُمِّهِ حُدَّ وَإِنْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ لَسْتَ مِنْ بَنِي فُلَانٍ لِقَبِيلَتِهِ الَّتِي هُوَ مِنْهَا حُدَّ وَإِنْ كَانَ مَوْلًى لَمْ يُحَدَّ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ مَا أَرَادَ نَفْيًا أَوْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا قِبْطِيُّ حُدَّ وَإِنْ قَالَهُ لِمَوْلًى حَلَفَ وَنُكِّلَ وَإِنْ نَكَلَ لَمْ يُحَدَّ وَنُكِّلَ وَفِي النُّكَتِ يَجِبُ الْحَدُّ بِالنَّفْيِ كَانَ الْأَبَوَانِ كَافِرَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فَإِنْ عَفَا وَأَبَوَاهُ عَبْدَانِ أَوْ كَافِرَانِ نُفِّذَ عَفْوُهُ أَوْ مُسْلِمَانِ حُرَّانِ فَلَهُمَا الْقِيَامُ بِالْحَدِّ وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ أَبُوهُ مُسْلِمًا وَأُمُّهُ نَصْرَانِيَّةً أَوْ أمة فَلَا يثبت الْقِيَامُ لِأَنَّهُ حَمَلَ أَبَاهُ عَلَى غَيْرِ أُمِّهِ بِنَسَبِهِ لِلزِّنَا أَوِ انْعَكَسَ الْحَالُ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ قَامَتِ الْأُمُّ بِالْحَدِّ لِأَنَّهُ نَسَبَهَا إِلَى الزِّنَا وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ لِعَبْدٍ لَا يُحَدُّ لَهُ وَأَبَوَاهُ عَبْدَانِ أَوْ كَافِرَانِ لَمْ يُحَدَّ وَأَبَوَاهُ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ حُدَّ وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَتِ الْأُمُّ حرَّة مسلمة وَالْأَب عبدا لِأَنَّهُ رَمَى أُمَّهُ أَوْ أَمَةَ أُمِّهِ أَوْ كَافِرَةً وَأَبُوهُ مُسْلِمٌ حُدَّ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا حَدَّ فِي نَفْيِ الْعَبْدِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَا وَلَدَ زِنًا أَوْ أَنْتَ لِزِنْيَةٍ أَوْ وَلَدُ زِنْيَةٍ حد وَإِن كَانَت مَمْلُوكَة أَو مُشْتَركَة بِخِلَافِ يَا ابْنَ الزَّانِي أَوِ الزَّانِيَةِ إِنْ كَانَا عَبْدَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ لِأَنَّ هَذَا قَذْفٌ لَهُمَا وَالْأَوَّلُ نَفْيٌ وَإِنْ قَالَ لَسْتَ وَلَدَ فلَان لجده وَقَالَ أردْت لست لصَاحبه حُدَّ كَانَ جَدُّهُ مُسْلِمًا أَمْ لَا قَالَ أَشْهَبُ هَذَا إِذَا كَانَ وِلَادَةُ جَدِّهِ فِي الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَكُنْ مَجْهُولًا وَكَذَلِكَ إِذَا نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ دَنِيَّةً لِأَنَّ الْمَجْهُولِينَ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُمْ وَلَا يَتَوَارَثُونَ بِهَا وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعَرَبِ حُدَّ وَإِنْ كَانَ وِلَادَةُ أَبِيهِ أَوْ جده فِي الجاهلة وَوُلِدَ الْمَقُولُ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنْ قَالَ لَسْتَ مِنْ مَوَالِي فُلَانٍ وَهُوَ مِنْهُمْ حُدَّ وَكَذَلِكَ لَسْتَ مِنَ الْمَوَالِي وَلَهُ أَبٌ مُعْتَقٌ بِخِلَاف لست مولى لفرن وَفُلَانٌ قَدْ أَعْتَقَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفِهِ مِنْ نسب ولسب ابْن فلَان وَأمه ام ولد حد وَلَيْسَ بِابْنِ فُلَانَةٍ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْوِلَادَةِ مِنْهَا فَلَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي عِرْضِهِ وَإِنْ قَالَ لِعَبْدٍ وَأَبَوَاهُ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ لَسْتَ لِأَبِيكَ حد السَّيِّد فَإِن مَاتَا وَلم يرثهما أجد أَوْ وَرِثَهُمَا غَيْرُهُ فَلَهُ حَدُّ سَيِّدِهِ.

.الْفَصْلُ الرَّابِع فِي التَّعْرِيض بِالنَّفْيِ:

فِي الْكِتَابِ قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا فَارِسِيُّ أَوْ نَحوه حد أَو قَالَ يَا بن الْأَقْطَعِ وَاخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْقَائِلِ لِبَرْبَرِيٍّ أَوْ رُومِيٍّ يَا حَبَشِيُّ هَلْ عَلَيْهِ الْحَدُّ أم لَا قَالَ ابْن الْقَاسِم وَأرى عج الْحَد إِلَّا أَن يَقُول لَهُ يَابْنَ الْأَسْوَدِ وَلَيْسَ فِي آبَائِهِ أَسْوَدُ وَإِنْ قَالَ لِفَارِسِيٍّ يَا عَرَبِيُّ لَمْ يُحَدَّ أَوْ لِعَرَبِيٍّ يَا فَارسي أَو لمصري أَو يَا يَمَانِيُّ أَوْ لِعَبْسِيٍّ يَا كَلْبِيُّ حُدَّ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُنْسَبُ إِلَى آبَائِهَا وَهَذَا نَفْيٌ لَهَا أَو قَالَ يَابْنَ الْأَعْجَمِيِّ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ آبَائِهِ كَذَلِكَ حُدَّ أَوْ يَا ابْنَ الْحَجَّامِ أَوِ الْخَيَّاطِ وَهُوَ مِنَ الْعَرَبِ جُلِدَ الْحَدَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي آبَائِهِ أَوْ مِنَ الْمَوَالِي حَلَفَ مَا أَرَادَ قَطْعَ نَسَبِهِ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِي الْمَوَالِي أَكْثَرُ مِنَ الْعَرَبِ وَيَا ابْنَ الْمُطَوَّقِ يَعْنِي الرَّايَةَ الَّتِي تُجْعَلُ فِي الْأَعْنَاقِ لَا يجد فِي الْمَوَالِي دُونَ الْأَعْرَابِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ أَعْمَالُ الْمَوَالِي وَإِنْ قَالَ يَا يَهُودِيُّ لَمْ يُحَدَّ بِخِلَافِ يَا ابْنَ الْيَهُودِيِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ آبَائِهِ يَهُودِيٌّ قَالَ ابْنُ يُونُسَ يَا ابْنَ الْبَرْبَرِيَّةِ وَأُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَا نَفْيَ عَلَى الْأُمِّ وَقَالَ مُطَرِّفٌ يُحَدُّ إِلَّا أَنْ يُسَمِّيَهَا بِاسْمِهَا لِأَنَّهُ نَفَى أُمَّهُ مِنِ ابْنِهَا وَسَوَاءٌ قَالَ لِرُومِيٍّ يَا حَبَشِيُّ أَوْ يَا ابْنَ الْحَبَشِيِّ لَا يُحَدُّ وَيَحْلِفُ مَا أَرَادَ نَفْيَهُ وَلِمَالِكٍ فِي الْحَدِّ قَوْلَانِ وَفِي النَّوَادِرِ إِنْ قَالَ لِمَوْلًى لَيْسَ فُلَانٌ أَعْتَقَ أَبَاكَ وَهُوَ الَّذِي اعتقه حد لِأَنَّهُ نَفَاهُ عَن أَنَّهُ عَتِيقُ هَذَا وَإِنْ قَالَ الْأَبُ لَيْسَ فُلَانٌ أَعْتَقَكَ لَمْ يُحَدَّ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا يُحَدُّ فِيهِمَا لِأَنَّهُ نَفَى عِتْقًا لَا نسبا ويعاقب وَفِي الْجَوَاهِر وَإِن قَالَ مَالك أَصْلٌ وَلَا فَصْلٌ فَعَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُحَدُّ وَقَالَ أَصْبَغُ يُحَدُّ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ إِنَّهُ أَرَادَ النَّفْيَ أَوِ الشَّتْمَ وَقِيلَ إِلَّا أَنِّي كَون مِنَ الْعَرَبِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ قَالَ لِابْنِ أَمَةٍ أَوْ كِتَابِيَّةٍ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ لَمْ يُحَدَّ أَوْ يَا ابْنَ زِنْيَةٍ حُدَّ وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّانِيَ نَفْيُ نَسَبٍ بِإِضَافَتِهِ إِلَى فِعْلٍ لَا يُلْحَقُ الْوَلَدُ فِيهِ وَالْأَوَّلُ قَذْفٌ لِأُمِّهِ وَإِنْ قَالَ مَوْلًى لِعَرَبِيٍّ أَنَا خَيْرٌ مِنْكَ حُدَّ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَهُ أَحَدُ ابْنَيْ عَمٍّ لِصَاحِبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ اخْتِلَافٌ وَبِهَذَا أَقُول.

.الباب الثَّانِي فِي أَحْكَامُ الْقَذْفِ:

وَفِي التَّنْبِيهَاتِ لِلْحَدِّ عَشَرَةُ شُرُوطٍ سِتَّةٌ فِي الْمَقْذُوفِ وَأَرْبَعَةٌ فِي الْقَاذِف أَن يكون الْمَقْذُوف عافلا مُسْلِمًا حُرًّا بَالِغًا لِلتَّكْلِيفِ إِنْ كَانَ ذَكَرًا أَوْ قَدْرَ الْوَطْءِ إِنْ كَانَ أُنْثَى وَإِنْ لم تبلغ التَّكْلِيف وقيه خِلَافٌ بَرِيءٌ مِنَ الْفَاحِشَةِ الَّتِي قُذِفَ بِهَا مَعَهُ إِلَيْهَا وَأَنْ يَكُونَ الْقَاذِفُ عَاقِلًا بَالِغًا صَرَّحَ بِالْقَذْفِ أَوْ عَرَّضَ بِهِ يُمْكِنُ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ لِصِحَّتِهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ يُحَدُّ الْمُحْصَنُ وَهُوَ الَّذِي اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهُ مِنْهَا الْعِفَّةُ وَمَعْنَاهَا أَنْ لَا يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالْقِيَانِ وَمَوَاضِعِ الْفَسَادِ وَالزِّنَا وَلَا يُسْقِطُ الْحَدَّ كَوْنُهُ مَعْرُوفًا بِالظُّلْمِ وَالْغَصْب وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر وَأكل البربا وَيُسْقِطُ الْإِحْصَانَ كُلُّ وَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ بِخِلَافِ الَّذِي لَا يُوجِبُهُ كَوَطْءِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْمُحَرَّمَةِ بِالرَّضَاعِ وَنَحْوِهِ وَكَذَلِكَ وَطْءُ الشُّبْهَةِ أَوْ فِي الصِّبَا وَيسْقط إِحْصَان الْمَقْذُوف بِالْوَطْءِ الطاريء بعد الْقَذْف وَقَالَهُ (ش) و (ح) وَأَن الشُّرُوطَ يُعْتَبَرُ اسْتَدَامَتُهَا إِلَى حَالَةِ إِقَامَةِ الْحَدِّ لِأَنَّهُ لَوِ ارْتَدَّ لَمْ يُقَمِ الْحَدُّ وَلِأَنَّ طرؤه يُنَبِّهُ أَنَّهُ تَقَدَّمَ مِنْهُ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَسْقُطُ كَمَا لَوْ زَنَى بِأَمَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَو سرق عينا فنقصت قيمتهَا أَو ملكهَا وَمُنِعَ اسْتِدَامَةُ الشُّرُوطِ إِلَّا إِلَى حِينِ تُوَجُّهِ الْحَدِّ وَمَتَى سَقَطَ الْإِحْصَانُ بِالزِّنَا مَرَّةً لَمْ يَعُدْ بِالْعَدَالَةِ بَعْدَهُ وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ إِنْ قُذِفَ مَنْ حُدَّ بِالزِّنَا بَعْدَ أَنْ حَسُنَتْ تَوْبَته لم يحد.
تَنْبِيه:
يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي شُرُوطِ الْمَقْذُوفِ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا فَإِنَّ الْمَجْهُولَ لَا يُحَدُّ لَهُ لَكِنْ تُرِكَ لِأَنَّ تِلْكَ الشُّرُوطَ لَا تُعْلَمُ إِلَّا فِي مَعْرُوفٍ وَكَوْنُ الْإِحْصَانِ لَا يَعُودُ بَعْدَ الْعَدَالَةِ نَقَلَهُ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَغَيْرُهُ وَمُسْتَنَدُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَفَافِ الْعَفَافُ الْمُطْلَقُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {الْغَافِلَات} أَيِ اللَّاتِي لَمْ يَخْطُرْ لَهُنَّ الْفَسَادُ وَلَا يَشْعُرْنَ بِهِ قَطُّ فَتُحْمَلُ الْآيَةُ الْأُخْرَى عَلَى هَذِهِ لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ وَتِلْكَ مُقَيَّدَةٌ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بأَرْبعَة شُهَدَاء} وَهَذَا قد شهر بِالزِّنَا وَفعله فَلَا يكون مِمَّن يحجّ لَهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْحَدِّ بَلْ يُؤَدَّبُ عَلَى الْقَاعِدَةِ وَأَصْلُ هَذَا الْبَابِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَهُم عَذَاب عَظِيم} وَلِلْإِحْصَانِ فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَةُ مَعَانٍ الْعَفَافُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَالثَّانِي الزَّوْجَاتُ فِي قَوْله تَعَالَى {محصنات غير مسافحات} وَالثَّالِثُ الْحُرِّيَّةُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا أُحْصِنَّ} وَوَافَقَنَا الْأَئِمَّةُ عَلَى شُرُوطِ الْإِحْصَانِ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا لابد مِنَ الْبُلُوغِ قِيَاسًا عَلَى الْعَقْلِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي الْعَبْدِ إِلَّا دَاوُدُ لَنَا أَنَّهُ قَاصِرٌ عَنْ رُتْبَةِ الْإِجْمَاعِ فَلَا يَنْهَضُ لِلْحَدِّ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» وَالرِّقُّ مِنْ جَرَائِرِ الْكُفْرِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ عَدَمِ الِاعْتِبَارِ وَأَمَّا شَرَائِطُ الْقَاذِفِ فَلِأَنَّ الْعُقُوبَةَ تَعْتَمِدُ التَّكْلِيفَ وَالْقُدْرَةَ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ.
نَظَائِرُ:
قَالَ صَاحِبُ الْخِصَالِ عَشَرَةٌ لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِمُ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ وَالْأمة وَالذِّمِّيّ والذمية وَالْمَحْدُودُ فِي الزِّنَا وَالْمَرْجُومُ فِي الزِّنَا وَالْمَنْبُوذُ وَمَنْ لَيْسَ مَعَهُ مَتَاعُ الزِّنَا وَالْوَلَدُ يَقْذِفُهُ وَالِدُهُ اسْتَبْعَدَ مَالِكٌ حَدَّهُ.
فرع:
فِي الْكِتَابِ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْقَذْفِ إِقَامَةُ بَيِّنَةٍ أَرْبَعَةٌ بِأَنَّ الْمَقْذُوفَ زَنَى فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ لِانْخِرَامِ الْإِحْصَانِ وَعدم الْكَذِب عَلَيْهِ.
فرع:
قَالَ يحد الذِّمِّيُّ لِلْمُسْلِمِ ثَمَانِينَ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعِلْمِ فيقام عَلَيْهِ بِخِلَاف الزِّنَا.
فرع:
قَالَ لَيْسَ لِلْقَاذِفِ تَحْلِيفُ الْمَقْذُوفِ أَنَّهُ زَنَى وَإِنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ زَنَى جَازَ لَهُ حَدُّهُ لِأَنَّ السَّتْرَ مَأْمُورٌ بِهِ.
فَرْعٌ:
قَالَ إِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ أَنَّهُ قَذَفَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَآخَرُ أَنَّهُ قَذَفَهُ يَوْمَ الْجمع حُدَّ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ.
فرع:
لِقَذْفِ الْجَمَاعَةِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ مَجَالِسَ حَدٌّ وَاحِدٌ إِنْ قَامَ بِهِ وَاحِدٌ سَقَطَ كُلُّ قَذْفٍ قَبْلَهُ وَقَالَ (ح) وَقَالَ الشَّافِعِي إِنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدٌّ وَقَالَهُ أَحْمَدُ أَوْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَوْلَانِ عَن (ش) وَأَحْمَدَ وَبَنَاهَا الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَصَحَّ التَّدَاخُلُ وَبَنَاهَا الْآخَرُونَ عَلَى أَنَّهَا حَقٌّ لِآدَمِيٍّ فَصَحَّ التَّعَدُّدُ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَنَا قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لله تَعَالَى أَمْ لَا وَقَدْ حَكَاهُ الْعَبْدِيُّ فِي نَظَائِرِهِ وَاللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ لَنَا أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ الْعَجْلَانِيَّ رَمَى امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ أَوْ تَلْتَعِنُ» فَلَمْ يَقُلْ حدان وَجلد عمر رَضِي الله تعال عَنْهُ الشُّهُودَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بِالزِّنَا حَدًّا وَاحِدًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ قَذَفَ الْمُغِيرَةَ وَالْمُؤْتَى بِهَا وَجَلَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَذَفَةَ عَائِشَةَ ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ مِنْهُمْ حَسَّانُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مَعَ أَنَّهُمْ قَذَفُوا عَائِشَةَ وَصَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ وَقِيَاسًا عَلَى الزِّنَا وَلِأَنَّهُ لَوْ قذف ألفا فَمَاتَ قَبْلَ إِقَامَةِ الْحُدُودِ وَقَدْ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَمَا تَسْقُطُ سَائِرُ الْحُدُودِ فَتَتَدَاخَلُ مِثْلُهَا احْتَجُّوا بِأَنَّهُ قَذْفُ جَمَاعَةٍ فَلَا تَدَاخُلَ كَمَا لَوْ قَذَفَ زَوْجَاتِهِ الْأَرْبَعَ لَاعَنَ أَرْبَعَ لِعَانَاتٍ وَلِأَنَّهُ حَقُّ لِآدَمِيِّ فَلَا يُقَاسُ عَلَى الْحُدُودِ وَلِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ فَلَا تَتَدَاخَلُ كَالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَيْمَانٌ وَالْأَيْمَانُ لَا تَتَدَاخَلُ بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَعَنِ الثَّانِي بِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ فِي الشَّخْصِ فَلَوْ غَلَبَ فِيهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ لَتَكَرَّرَ فِيهِ كَتَكَرُّرِ الْإِتْلَافِ وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَتَدَاخَلُ فِي الْمُتَبَايِنَاتِ وَلَوْ قَالَه لَهُ يَا لائط يَا زاني تَدَاخَلَ قَاعِدَةٌ مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ فِي اللُّغَةِ تَارَةً تَتَوَزَّعُ الْأَفْرَادُ عَلَى الْأَفْرَادِ نَحْوَ الدَّنَانِيرُ للْوَرَثَة وَتارَة يثبت أحد الجمعين لكل فردج من الْجمع الآخر نحوالثمانون جَلْدَةً لِلْقَذَفَةِ وَتَارَةً يَثْبُتُ الْجَمْعُ وَلَا يُحْكَمُ عَلَى الْأَفْرَادِ نَحْوَ الْحُدُودُ لِلْجِنَايَاتِ إِذَا قَصَدَ أَنَّ الْمَجْمُوعَ لِلْمَجْمُوعِ وَإِذَا اخْتَلَفَتْ أَحْوَالُ الْمُقَابَلَةِ بَطل كَونه حَقِيقَة فِي أَحدهمَا لَيْلًا يَلْزَمَ الِاشْتِرَاكُ أَوِ الْمَجَازُ وَبَطَلَ تَخَيُّلُ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} يَقْتَضِي أَنَّ قَذْفَ الْجَمَاعَةِ لَهُ حَدٌّ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ قَابَلَ الَّذِينَ وَهُوَ جَمْعٌ بِالْمُحْصَنَاتِ وَهُوَ جَمْعٌ فَيَحْصُلُ أَنَّ الْجَمِيعَ إِذَا رَمَى الْجَمِيعَ يجل ثَمَانُونَ فَقَطْ خَالَفْنَا ذَلِكَ فِي قَذْفِ الْجَمْعِ لِلْجَمْعِ وَالْوَاحِدُ يَبْقَى عَلَى مُقْتَضَاهُ فِي قَذْفِ الْوَاحِدِ لِلْجَمْعِ قَالَهُ الطَّرْطُوشِيُّ وَغَيْرُهُ فَيَمْنَعُ كَوْنُ ذَلِكَ مُقْتَضَاهُ نَظَائِرُ قَالَ الْعَبْدِيُّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي تِسْعِ مَسَائِلَ مَنْ قَذَفَ رَجُلًا فَعَلَيْهِ حَدٌّ أَوْ جَمَاعَةً فَحَدٌّ وَقِيلَ يَتَعَدَّدُ وَصَاعٌ فِي الْمُصَرَّاةِ الْوَاحِدَةِ وَالْجمع وَقيل يَتَعَدَّد والحالف بنحر وَلَده عَلَيْهِ هدي وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ وَقِيلَ يَتَعَدَّدُ الْهَدْيُ وَمُؤَخِّرُ قَضَاءِ رَمَضَانَ سَنَةً عَلَيْهِ كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ وَكَذَلِكَ السُّنُونَ وَالْوَاطِئُ فِي رَمَضَانَ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا سَوَاءٌ وَالْحَلِفُ إِذَا تَكَرَّرَ كَالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ وَالْمُتَطَيِّبُ فِي الْحَجِّ مَرَّةً عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَكَذَلِكَ الْمِرَارُ إِذَا اتَّحَدَ السَّبَبُ وَالْحَالِفُ بِصَدَقَةِ مَالِهِ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا عَلَيْهِ الثُّلُثُ وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَكَذَلِكَ الْكِلَابُ سَبْعًا.
فرع:
فِي الْكِتَابِ إِذَا حُدَّ لَهُ ثُمَّ قَذَفَهُ حُدَّ لَهُ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إِذَا قَذَفَهُ مِرَارًا قبل الْحَد اجزأه حد انا بَينا أَنَّ الْحَدَّ السَّابِقَ لَمْ يَفِ بِكَفِّهِ عَنِ الْجِنَايَةِ بِخِلَافِ إِذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ وَإِنْ ضُرِبَ أَسْوَاطًا فَقَذَفَ آخَرَ وَقَذْفَ الْأَوَّلَ ابْتُدِئَتْ ثَمَانُونَ مِنْ حِينِ الْقَذْفِ وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا مَضَى قَالَ اللَّخْمِيُّ عَنْ مَالِكٍ إِنْ لَمْ يَمْضِ إِلَّا أَيْسَرَهُ أَجْزَأَهُ إِتْمَامُهُ لَهُمَا أَوْ بَقِيَ أَيْسَرُهُ نَحْوَ ثَلَاثَةٍ أَكْمَلَ هَذَا وَاسْتُؤْنِفَ الْآخَرُ وَقَالَ أَشْهَبُ الْعَشَرَةُ قَلِيلٌ وَإِنْ قَذَفَهُ فَحُدَّ لَهُ ثُمَّ قَذَفَهُ بِغَيْرِهِ حُدَّ لَهُ أَوْ بِهِ بِأَنْ يَقُولَ صَدُقَتْ عَلَيْكَ فَاخْتُلِفَ قَالَ مُحَمَّدٌ يُحَدُّ لَهُ وَقِيلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِلَّا الْعُقُوبَةُ وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرَةَ بَعْدَ الْجَلْدِ مُتَمَادِيًا عَلَى قَوْلِهِ وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ إِذَا قَذَفَ وَهُوَ يُضْرَبُ يُسْتَأْنَفُ وَهُوَ عَلَى قَوْلِهِ يُحَدُّ لِلْجَمَاعَةِ حَدًّا وَاحِدًا وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعَدُّدِ يُتَمُّ الْأَوَّلُ وَيُسْتَأْنَفُ الثَّانِي وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ الْمُغِيرَةُ إِنْ قَذَفَ جَمَاعَةً فَقَامُوا جَمِيعًا فحد وَاحِد أَو مفترقين حَدٌّ لِكُلِّ وَاحِدٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ قَذَفَهُمْ ثُمَّ شَرِبَ خَمْرًا فَحُدَّ فِيهِ أَجْزَأَهُ لِكُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَذْفٍ وَشُرْبٍ لِأَنَّ الشُّرْبَ مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ مُسْتَخْرَجٌ وَإِنْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ أَحَدُكُمْ زَانٍ أَوْ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ الْمُرَادُ فَإِنَّهُ قَامَ بِهِ جَمِيعُهُمْ فَقِيلَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لعدم التَّعْيِين فالنكاية فِي الْعرض ضَعِيفَة لعد التَّعْيِينِ فَإِنْ قَامَ أَحَدُهُمْ وَادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَهُ لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِالْبَيَانِ فَإِنْ عُرِفَ مَنْ أَرَادَهُ لَمْ يَحُدُّهُ الْإِمَامُ إِلَّا بِقِيَامِ الْمَقْذُوفِ وَمن قذف من لَا يعرف لَاحَ حد عَلَيْهِ وَإِن قَالَ يَا زوج لزانية وَتَحْتَهُ امْرَأَتَانِ فَعَفَتْ إِحْدَاهُمَا وَقَامَتِ الْأُخْرَى حَلَفَ مَا أَرَادَ إِلَّا الَّذِي عقت فَإِنْ نَكَلَ حُدَّ وَفِي الْمُنْتَقَى عِنْدَ أَشْهَبَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ إِنْ ذَهَبَ الْيَسِيرُ تَمَادَى وَأَجْزَأَ لَهُمَا أَوِ النِّصْفُ وَمَا يَقْرُبُ مِنْهُ اسْتُؤْنِفَ لَهُمَا أَوْ بَقِيَ الْيَسِيرُ لَمْ يُسْتَأْنَفْ لِلثَّانِي وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ قِسْمَانِ إِنْ مَضَى مِنَ الْحَدِّ الْأَوَّلِ شَيْءٌ اسْتُؤْنِفَ مِنْ حِينِ الْقَذْفِ لِلثَّانِي وَلَا يُحْتَسَبُ بِالْمَاضِي وَإِنْ بَقِيَ الْيَسِيرُ تُمِّمَ الْأَوَّلُ وَاسْتُؤْنِفَ الثَّانِي.
فرع:
فِي الْمُنْتَقَى مَنْ قَذَفَ مَجْهُولًا لَمْ يُحَدَّ لِعَدَمِ النِّكَايَةِ قَالَهُ مُحَمَّدٌ.
فرع:
قَالَ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِهِ قِيَامُ الْوَلِيِّ وَلَوْ سَمِعَ الْإِمَامُ رَجُلًا يَقْذِفُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الْمَقْذُوفِ فَإِنْ قَامَ بِهِ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اللَّهِ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» قَالَ الْعُلَمَاءُ لَيْسَ الْإِرْسَالُ حِرْصًا عَلَى الِاعْتِرَافِ لأَمره عَلَيْهِ السَّلَام وبالتستر بَلْ أَنَّهَا قُذِفَتْ فَيَكُونُ تَعْرِيفُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَفِي التَّنْبِيهَاتِ مَذْهَبُ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ قِيَامَ الْوَلِيِّ لَيْسَ شَرْطًا ويحده وَإِنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ غَائِبًا لِأَنَّهُ حَقُّ لِلَّهِ.
فَرْعٌ:
فِي الْكِتَابِ لَا عَفْوَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ إِذَا بَلَغَ الْإِمَامَ أَوْ صَاحِبَ الشَّرَطِ أَوِ الْحَرَسِ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمَقْذُوفُ سَتْرًا وَيَجُوزُ الْعَفْوُ فِيهِ وَالشَّفَاعَةُ إِذَا بَلَغَ الْإِمَامَ وَإِنْ صَدَرَ مُوجَبُ التَّعْزِيرِ مِنْ عَفِيفٍ ذِي مُرُوءَةٍ وَهِيَ طَائِرَةٌ مِنْهُ تَجَافَى الْإِمَامُ عَنْهُ فَإِنْ عَفَا عَنِ الْقَاذِفِ قَبْلَ بُلُوغِ الْإِمَامِ وَلَمْ يُكْتَبْ بِذَلِكَ كِتَابًا فَلَا قِيَامَ لَهُ وَكَذَلِكَ النُّكُولُ وَيَجُوزُ الْعَفْوُ عَنِ الْقِصَاصِ مُطْلَقًا وَإِنْ عَفَا عَلَى أَنَّهُ مَتَى شَاءَ قَامَ وَكتب بذلك وَأشْهد لَهُ فَذَلِك وَلِوَرَثَتِهِ وَفِي التَّنْبِيهَاتِ فِي الْعَفْوِ عَنِ الْقَاذِفِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ يَجُوزُ وَإِنْ بَلَغَ الْإِمَامَ وَيَمْتَنِعُ إِن لم يبلغ الإِمَام وَيمْنَع إِذَا بَلَغَ الْإِمَامَ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ سَتْرًا وَقِيلَ إِنْ أَرَادَ سَتْرًا لَا يَخْتَلِفُ فِي جَوَازِهِ وَعَلَى الْمَنْعِ مُطْلَقًا يَقُومُ بِهِ بَعْدَ الْعَفْوِ وَقَوْلُهُ طَائِرَةٌ أَيْ كَلِمَةٌ انْفَلَتَتْ مِنْهُ لَيْسَ بِعَادَةٍ وَيُجَافِي الْإِمَامُ بَعْدَهُ عَنْ عُقُوبَتِهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَعَافَوُا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ» رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ مُحَمَّدٌ إِنَّمَا يَجُوزُ الْعَفْوُ إِذَا قَذَفَهُ فِي نَفْسِهِ أَمَّا أَحَدُ أَبَوَيْهِ وَقَدْ مَاتَ فَلَا عَفْوَ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ وَإِنْ أَرَادَ السَّتْرَ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَيَجُوزُ عَفْوُ الْوَلَدِ عَنِ الْأَبِ عِنْدَ الْإِمَامِ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إِنْ قذفه فِي نَفسه وَكَذَلِكَ حَده لِأَبِيهِ بِخِلَاف حَده لِأُمِّهِ وَإِذَا قَالَ الشُّهُودُ قَذَفَكَ وَقَالَ لَمْ يَقْذِفْنِي رُدَّتِ الشَّهَادَةُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ أَمَامَهُمْ وَادَّعَى ذَلِكَ ثُمَّ أَكْذَبَهُمْ بَعْدَ أَنْ شَهِدُوا عِنْدَ الْإِمَامِ أَوْ قَالَ مَا قَذَفَنِي فَإِنَّهُ حَدٌّ وَجَبَ وَإِذَا هَمَّ الْإِمَامُ بِضَرْبِهِ فَأَقَرَّ الْمَقْذُوفُ بِالزِّنَا وَصَدَّقَهُ وَثَبَتَ عَلَى إِقْرَارِهِ حُدَّ لِلزِّنَا وَلَمْ يُحَدَّ الْآخَرُ لِلْقَذْفِ وَإِنْ رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ لَمْ يُحَدَّ وَحُدَّ الْقَاذِفُ قَالَهُ أَصْبَغُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِنْ رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ بِفَوْرٍ يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ وَعَنِ الْقَاذِفِ بِإِقْرَارِهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ أَرَادَ إِسْقَاطَ الْحَدِّ قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ أَخْذُ مَالٍ عَلَى إِسْقَاطِ الْحَدِّ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَسْقُطْ فِي النَّوَادِرِ وَمَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ أَرَادَ سَتْرًا أَنْ يَكُونَ ضُرِبَ الْحَدُّ قَدِيمًا فَيَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ الْآنَ فَأَمَّا إِنْ عَمِلَ شَيْئًا لَمْ يَعْلَمْهُ أَحَدٌ إِلَّا نَفْسَهُ حُرِّمَ عَفْوُهُ قَالَ أصْبع فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ سَتْرًا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ويكشف ذَلِك للْإِمَام فَإِنْ خَافَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ أَجَازَ عَفْوَهُ وَإِلَّا لم يجزه قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ أَرَادَ سَتْرًا أَنَّ مِثْلَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ جَازَ عَفْوُهُ وَلَمْ يُكَلَّفْ أَنْ يَقُولَ أَرَدْتُ سَتْرًا لِأَنَّ قَوْلَ ذَلِكَ عَارٌ وَأَمَّا الْعَفِيفُ الْفَاضِلُ فَلَا يَجُوزُ عَفْوُهُ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ لِلْمَقْذُوفِ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابًا بِقَذْفِهِ يَقُومُ بِهِ مَتَى شَاءَ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَقَالَ مَا هُوَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ مَعْنَى أَرَادَ سَتْرًا أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَعْفُ عَنْهُ أَثْبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ حَدِّهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا غَيره وقااله فِي الْمُنْتَقَى وَمَعْنَاهُ قَبْلَ بُلُوغِ الْإِمَامِ لِأَنَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ يَتَعَيَّنُ إِيقَاعُهُ قَاعِدَةٌ الْحُقُوقُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ حَقٌّ لِلَّهِ صِرْفٌ كَالْإِيمَانِ وَلِلْعَبْدِ صِرْفٌ كالإيمان وَحَقٌّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ يُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ أَوْ حَقُّ الْعَبْدِ كَالْقَذْفِ فَيُفْرَقُ فِي الثَّالِثِ إِنِ اتَّصَلَ بِالْإِمَامِ تَعَيَّنَ حَقُّ اللَّهِ لاتصاله بنائبه فِي أرضه وَحقّ الله تَعَالَى أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ وَحُقُوقُ الْعَبْدِ مَصَالِحُهُ وَمَا مِنْ حَقٍّ لِلْعَبْدِ إِلَّا وَفِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَمْرُهُ بِإِيصَالِ ذَلِكَ لِمُسْتَحِقِّهِ لَكِنَّ الْمَعْنَى فِي أَنَّهُ غَلَبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ أَن العَبْد مَتى أسْقطه حَقُّهُ سَقَطَ حَقُّ اللَّهِ بِإِيصَالِ ذَلِكَ الْحَقِّ وَيَبْقَى مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إِثْمُ الْمُخَالَفَةِ فِي الْغَصْبِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ إِذَا أَسْقَطَ الطَّلَبَ بِالْمَغْصُوبِ لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِإِيصَالِهِ لَكِنْ يُؤَاخَذُ عَلَى جَرِيمَةِ الْغَصْبِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ أَوْ فِي الدُّنْيَا إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ أَوْ يَتَرَجَّحَ كَوْنُ الْقَذْفِ حَقًّا للْعَبد بتوقفه على قايم طَالبه وَكَونه يُورث وَحُقُوق الله تعلى لَا يَدْخُلَانِ فِيهِ.
فرع:
فِي الْكِتَابِ لَا يَقُومُ بِالْحَدِّ إِلَّا الْمَقْذُوفُ فَإِنْ أَكْذَبَ الْمَقْذُوفُ الْبَيِّنَةَ رُدَّتِ الشَّهَادَةُ وَإِنْ قَالَتِ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَدِّ شَهِدْنَا بِالزُّورِ سَقَطَ الْحَدُّ وَإِنْ قَذَفَ مَيِّتًا فَلِابْنِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَلِجَدِّهِ لِأَبِيهِ الْقِيَامُ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ لِأَنَّهُ عَيْبٌ يَلْزَمُهُمْ وَلَيْسَ لِلْعَصَبَةِ وَالْإِخْوَةِ مَعَ هَؤُلَاءِ قِيَامٌ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِهِمْ وَلِلْجَدَّاتِ الْقِيَامُ بِالْحَدِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْذُوفِ وَارِثٌ لَمْ يَقُمْ بِهِ أَجْنَبِيٌّ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الضَّرَرِ بِهِ وَأَمَّا الْغَائِب فَلَا يقوم ولد لَا غَيره بِقَذْفِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلِ الْحَقُّ عَنْهُ وَإِنْ مَاتَ وَأَوْصَى بِالْقِيَامِ قَامَ الْوَصِيُّ فِي التَّنْبِيهَاتِ قَوْله لَا يقوم أحد للْغَائِب ظَاهره أنهلا يَتَعَرَّضُ لِلْقَاذِفِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُسْجَنُ حَتَّى يَقْدَمَ مَنْ لَهُ عَفْوٌ أَوْ قِيَامٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَيْسَ لِلْإِخْوَةِ وَالْبَنَاتِ وَالْجَدَّاتِ قِيَامٌ بِقَذْفِ الْمَيِّتِ إِلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَقُومُ إِلَّا الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَب وَكَذَلِكَ الْعَفو لِأَنَّهُ ميران الِابْنِ ثُمَّ ابْنِ الِابْنِ ثُمَّ الْأَخِ ثُمَّ الْجَدِّ ثُمَّ الْأُمِّ وَكَذَلِكَ الْقَرَابَاتُ مِنَ النِّسَاءِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَلَا حَقَّ لِلزَّوْجَةِ وَلَا بِنْتِ الْبِنْت قَالَ ابْن الْقَاسِم وَلَا يُقَام للغئب وَإِن طالبت غيبته وَقيل لوَلَده القايم فِي الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ دُونَ الْقَرِيبَةِ وَيُكْتَبُ لِلْمَقْذُوفِ وَقَالَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَقُومُ لِلْغَائِبِ إِلَّا الْوَلَدُ فِي أَبِيهِ وَأُمِّهِ قَالَ وَلَوْ سَمِعَهُ السُّلْطَانُ مَعَ شَاهِدَيْنِ حَدَّهُ وَإِذَا رَفَعَهُ مَنْ سَمِعَهُ لِلْإِمَامِ سَمِعَ شَهَادَتَهُ فَإِذَا كَمُلَ النِّصَابُ حُدَّ الْقَاذِفُ فِي النَّوَادِرِ إِذَا قَامَ الْمَقْذُوفُ بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ حَلَفَ مَا سَكَتَ تَرْكًا وَإِنَّمَا يَكُونُ الْحَقُّ لِلْأَوْلِيَاءِ إِذَا مَاتَ الْمَقْذُوفُ قَبْلَ طُولِ الزَّمَانِ أَمَّا بَعْدَ طُولِهِ فَلَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْجُودًا حَتَّى يَحْلِفَ وَالطُّولُ ظَاهِرٌ فِي التَّرْكِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَهُمْ وَإِنْ طَالَ قَبْلَ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ عَفَا ثُمَّ قَامَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ.
فرع:
فِي الْكِتَابِ لَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ حَتَّى يَبْلُغَ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ بِسِنٍّ لَا يَبْلُغُهُ إِلَّا مُحْتَلِمٌ دُونَ الْإِنْبَاتِ وَمَنْ فِيهِ علقَة رق فحده حد العبيد ويؤاخذ المحار إِذَا تَابَ بِمَا قَذَفَهُ حَالَ حِرَابَتِهِ وَبِحُقُوقِ النَّاس فَإِن قَذَفَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمًا ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ أُسِرَ لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مَوْضُوعٌ عَنْهُ وَإِنْ قدم بِأَمَان فقذف مُسلما حد لِأَنَّهُ لَهُ عَقْدًا كَالذِّمِّيِّ 3 فَرْعٌ فِي الْكِتَابِ إِذَا ارْتَدَّ الْمَقْذُوفُ أَوْ قَذَفَ وَهُوَ مُرْتَدٌّ لَمْ يُحَدَّ وَلَوْ رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَامِ كَالزِّنَا قَبْلَ الْحَدِّ وَبَعْدَ الْقَذْفِ فَإِنِ ارْتَدَّ الْقَاذِفُ أَوْ قَذَفَ وَهُوَ مُرْتَدٌّ حُدَّ أَقَامَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ أَسْلَمَ لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَا تَأْبَى أَخْذُ الْحُقُوقِ وَتَأْبَى أَنْ تَثْبُتَ لِصَاحِبِهَا حُقُوقٌ لِكَوْنِهَا مُسْتَصْدِرُ الْحَيَاةِ وَالْحُقُوقُ إِنَّمَا هِيَ للحياة وَكَذَلِكَ لَا شُفْعَةَ لَهُ وَإِنْ قَذَفَ مُلَاعِنَةَ التَّعَنُّتِ بِوَلَدٍ أَوْ بِغَيْرِ وَلَدٍ حُدَّ لِأَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ يَتَوَارَثُونَ فَإِنَّهُمْ أَشِقَّاءُ وَلَوْ رَجَعَ الْأَبُ ثَبَتَ النَّسَبُ وَإِنْ قَالَ لِوَلَدِهَا لَسْتَ لِأَبِيكَ اخْتِيَارًا لَمْ يُحَدَّ أَوْ مُشَاتَمَةً حُدَّ وَيُحَدُّ قَاذِفُ الْمَجْنُونِ لِأَنَّ عِرْضَهُ مَمْنُوعٌ كَمَالِهِ وَنَفْسِهِ.
فرع:
قَالَ إِنْ خَاصَمَ فِي الْقَذْفِ وَمَاتَ قَبْلَ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ قَامَ الْوَارِثُ بِهِ قَاعِدَة الْوَارِث ينْتَقل إِلَيْهِ المَال بِالْإِرْثِ فينقل إِلَيْهِ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الْخِيَارِ وَالشُّفْعَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ وَلَا يَرِثُ النَّفْسَ وَالْعَقْلَ فَلَا تُنْقَلُ إِلَيْهِ الْإِمَامَةُ وَالْقَضَاءُ وَمَا فُوِّضَ إِلَيْهِ مِنْ خِيَارِ الْغَيْرِ وَلَا اللِّعَانُ وَلَا نِيَّةُ الْإِيلَاءِ وَلَا نَحْوُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا أُمُورٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالنَّفْسِ وَالْعَقْلِ وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَن لَا ينْتَقل الْقصاص وَالْقَذْف لَكِن ضررهما مُتَعَدٍّ للْوَارِث فانتقلا إِلَيْهِ لهَذَا السَّبَبِ فَهَذَا ضَابِطُ مَا يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ وَمَا لَا يَنْتَقِلُ فَلَيْسَ كُلُّ حَقٍّ مَاتَ عَنْهُ ينْتَقل.
فرع:
فيا الْكِتَابِ حَدُّ الْقَذْفِ وَالْخَمْرِ عَلَى الْعَبْدِ أَرْبَعُونَ نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ وَحَدُّهُ فِي الزِّنَا خَمْسُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ من الْعَذَاب} قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مُحَمَّدٌ إِنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الْعَبْدِ ثُمَّ عُلِمَ أَنَّهُ حُرٌّ حِينَئِذٍ كَمَا حد الْحر.
فَرْعٌ:
فِي الْكِتَابِ إِذَا قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الشُّهُودُ عَبِيدٌ صُدِّقَ الشُّهُودُ فِي الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهَا الأَصْل وَكَذَلِكَ الْقَاذِف للمقذوف عَبْدٌ فَإِنِ ادَّعَى بَيِّنَةً قَرِيبَةً أُمْهِلَ وَإِلَّا جُلِدَ وَإِنْ أَتَى بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ زَالَتْ عَنْهُ جُرْحَةُ الْحَدِّ وَلَا أَرْشَ لَهُ فِي الضَّرْبِ.
فرع:
فِي الْجَوَاهِرِ إِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ وَأقَام شَاهدا أَنه قذفه أخلفه فَإِن نكل حسب أبدا حَتَّى يحلف اتّفق مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُ يُحْبَسُ أَبَدًا قَالَهُ مُحَمَّدٌ وَفِي النَّوَادِر فِي الْمُوازِية إِن طَالَ سَجْنُهُ خُلِّيَ قَالَ أَصْبَغُ وَيُؤَدَّبُ إِذَا خُلِّيَ إِنْ كَانَ يُعْرَفُ بِأَذَى النَّاسِ وَإِلَّا فَأَدَبُهُ حَبْسُهُ وَلَا يُؤَدَّبُ مُسْتَوْجِبُ الْأَدَبِ إِلَّا بَعْدَ الْإِيَاسِ مِنْ يَمِينِهِ وَتَوَقَّفَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي التَّأْدِيبِ.
فرع:
فِي النَّوَادِرِ إِنْ أَقَامَ الْقَاذِفُ شَاهِدَيْنِ أَنَّ الْوَالِيَ ضَرَبَهُ فِي الْحَدِّ فِي الزِّنَا لَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ عَنْهُ وَحُدَّ الشَّاهِدَانِ مَعَهُ وَلَا تَنْفَعُهُ إِلَّا أَرْبَعَةٌ عَلَى رُؤْيَة الزِّنَا.
فرع:
قَالَ إِنْ قَالَ لِلْمَنْبُوذِ يَا وَلَدَ زِنًا أَوْ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَسَبٌ يُنْفَى عَنْهُ وَلَا أُمُّهُ مَعْلُومَة فَيحد لَهَا لخلاف يَا زَان.
فَرْعٌ:
قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إِنْ قَذَفَ الْغَرِيبَ فَعَلَيْهِ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى نَسَبِهِ إِلَّا أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ وَيَنْتَشِرَ عِنْدَ النَّاسِ وَيُعْرَفَ بِهِ فَيَحُدُّ قَاذِفُهُ قَالَ مَالِكٌ وَالنَّاسُ عَلَى أَنْسَابِهِمْ لِأَنَّهُمْ حَازُوهَا وَعُرِفُوا بِهَا كَالْأَمْلَاكِ وَمَنِ ادَّعَى غَيْرَ ذَلِكَ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا حُدَّ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ إِنْ قَالَ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ لِلْغَرِيبِ الَّذِي لَا تُعْرَفُ أُمُّهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ حُدَّ قَاذِفُهُ قَالَ وَقَدْ يَقْدَمُ الرَّجُلُ مِنْ خُرَاسَانَ وَيُقِيمُ السِّنِينَ فَيُحَدُّ قَاذِفُهُ وَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةَ أَنَّ أُمَّهُ حُرَّةٌ مَسْلِمَةٌ.
فرع:
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْمُعْتَقُ فِي الْوَصِيَّةِ الْمَأْمُونَةِ يُقْذَفُ قَبْلَ تَنْفِيذِهِ مِنَ الثُّلُثِ لَا حَدَّ لَهُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْحَدِّ إِنْ أَمِنَ الْمَالَ وَيَرِثُ وَيُورَثُ وَالْأَمَةُ الْحَامِلُ مِنْ سَيِّدِهَا يَمُوتُ سَيِّدُهَا قَبْلَ الْوَضْعِ وَلَمْ تَكُنْ وَلَدَتْ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهُ يُحَدُّ قَاذِفُهَا وَلَمْ يُرَاعِ أَنَّ الْحَمْلَ يَنْقُصُ.
فرع:
قَالَ إِذَا أَخَذَ فِي الزِّنَا أَوِ الْفِرْيَةِ أَوِ الْخَمْرِ فَقَالَ أَنَا مَمْلُوكٌ إِنْ كَانَ مُحْصَنًا رُجِمَ فِي الزِّنَا وَجَعَلَ عَلَيْهِ حَدُّ الْمَمْلُوكِ فِي الْفِرْيَةِ وَالْخَمْرِ لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ فِي رِقِّ نَفْسِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إِنْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِرَجُلٍ حَاضِرٍ أَوْ قَرِيبِ الْغَيْبَةِ سُئِلَ مَنْ أَقَرَّ لَهُ فَإِنِ ادَّعَاهُ لَمْ يُحَدَّ فِي الْجَلْدِ إِلَّا فِي حَدِّ الْعَبْدِ وَأَمَّا الزِّنَا وَالْقَطْعُ وَالْقَتْلُ فَلَا يَسْقُطُ إِلَّا بِالبَيِّنَةِ لِأَن الأَصْل الْحُرِّيَّة.
فَرْعٌ:
قَالَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ قَالَ لعَبْدِهِ أَو أَجْنَبِي قل لفُلَان عَن فلَانا يَقُول لَك يَا ابْن الفاعلو فَفَعَلَ حُدَّ الْآمِرُ دُونَ الْمَأْمُورِ وَإِنْ قَالَ لَهُ اقْذِفْ فُلَانًا يَعْنِي الْعَبْدَ يُحَدُّ مَعَ السَّيِّد وَيحد الْحُرُّ دُونَ الْآمِرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْحَكِمٍ لَهُ وَفِي الْوَاضِحَةِ يُحَدُّ السَّيِّدُ وَالْعَبْدُ أَمَرَهُ بِالْقَذْفِ أَوْ بِقَولِهِ لَهُ يَا ابْنَ الْفَاعِلَةِ وَإِنْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ قُلْ لَهُ يَا ابْنَ الْفَاعِلَةِ حُدَّا مَعًا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَهُوَ أَحْسَنُ مَا فِيهِ وَفِيهِ خِلَافٌ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إِنْ حَمَلَ لِرَجُلٍ كِتَابًا فِيهِ يَا ابْنَ الْفَاعِلَةِ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ حُدَّ إِنْ عُلِمَ مَا فِيهِ لِأَنَّهُ تَعْرِيض.
فرع:
قَالَ كَانَ مَالِكٌ إِذَا سُئِلَ عَنْ حَدٍّ أَسْرَعَ الْجَوَابَ وَسَاسَ بِهِ وَأَظْهَرَ السُّرُورَ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ وَقِيلَ لَحَدٌّ يُقَامُ بِأَرْضٍ خَيْرٌ لَهَا من مظر أَرْبَعِينَ صَبَاحًا.
فرع:
فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي ثُبُوتِ الْقَذْفِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَالشَّاهِدِ مَعَ الْيَمِينِ خِلَافٌ جَارٍ عَلَى الْخِلَافِ فِي شَهَادَتِهِنَّ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ وَفِي الْقِصَاصِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَالِاتِّفَاقِ فِي اللَّفْظِ دُونَ الْمَوَاطِنِ جَازَتِ الشَّهَادَةُ اتِّفَاقًا وَاخْتلف اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى وَاتَّفَقَ مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ كَشَهَادَةِ أَحَدِهِمَا بِالْقَذْفِ وَالْآخَرِ بِنَفْيِ النَّسَبِ رُدَّتْ عَلَى الشُّهُودِ أَوِ اخْتَلَفَ الْجَمِيع لم يَأْتُوا اتِّفَاقًا.
فرع:
قَالَ قَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَ (ح) إِنَّ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ جَائِزَةٌ حَتَّى يُحَدَّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أبدا} فرتبت عَدَمَ الْقَبُولِ عَلَى عَدَمِ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَةِ وَإِذَا لَمْ يُحَدَّ فَهَلْ تَتَأَتَّى مِنْهُ إِقَامَةُ الشَّهَادَةِ وَقَالَ (ش) وَعبد الْملك لَا يقبل لِأَنَّهُ قَبْلَ الْحَدِّ شَرٌّ مِنْهُ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْحَدَّ كَفَّارَةٌ لَهُ وَإِذَا تَابَ قُبِلَتْ عِنْدَ مَالِكٍ وَ (ش) وَمَنَعَهَا (ح) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا} وَالِاسْتِثْنَاء فِي قَوْله تَعَالَى {إِلَّا اللَّذين تَابُوا} يَعُودُ عَلَى التَّفْسِيقِ دُونَ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ سَبَبَ الرَّدِّ التَّفْسِيقُ إِذَا زَالَ قبلت.